Post Top Ad

6/17/2022

رواية افقدتني صوابي الفصل الرابع

رواية أفقدتني صوابي للكاتبه اميره اسماعيل كاملة 
PicsArt_10-17-09.44.35



الفصل الرابع والقلب رأي أخر 



الموت  يلاحق الجميع،  لكن معها قد صار الواقع الذي تهرب منه، لا تعرف أين المفر من وجهتها التالية، فهل ستكون في قبر يعلوه شاهد يعلم الأخرين بمرقدها أسفله، أم ستستطيع التصدي له لتعيش و تستنشق الهواء ليومٍ أخر.
لم تكن سوى لحظات مرت عندما انطلقت الرصاصة من فوهة المسدس ليتفاداها الشاب وقد كان مستقر تلك الطلقة بسرعتها وسرعته نفسها في كتفه اليمين، فحاول بقية الأفراد المهاجمين  استغلال تلك الأفضلية لصالحهم عنوة، مما جعل السائق ينتبه لمرادهم فيصرخ بها يحذرها قائلاً: سيدتي اهربي الأن وحذاري أن تعودي للنظر للخلف قط....
ولم يتردد وهو يكرر تحذيره لها بجدية بعد أن كان قد قطع كلماته وهو يسحب أحد هؤلاء الشرزمة من قمة قميصه الأسود رغم ضخامة بنيته التي تفوقه محاولا الحفاظ على حياتها: لا تنظري للخلف قط،  اِذهبي الأن. 
ما إن سمعت ريم هذه الكلمات ورأته  يقذف من جراء سحب الأخرون له ملقين إياه على الأرض، إلا وقد نفذ عقلها تلك التحذيرات رغم عنها كمن سلبت إرادتها فقفزت إلي المقعد الأمامي تضغط على دواسة البنزين تحثها على الإسراع كذئب هارب من الصياد،  فانطلقت ترتد للخلف لتلحق بالمخرج الجانبي الذي لمحته وأشار إليه السائق مسبقا، ولم يغفل عن مرأها المطاردين فركب اثنان منهم أقرب سيارة وجدوها من سياراتهم يلاحقونها، وقد كان هدفهم واضح من منع هربا مهما كان الثمن المدفوع، فأخذ أحدهم  يطلق الرصاص مستهدفا بجدية عجلات السيارة ليتأكد من أن تثقب فتؤخرها إذا أمكن، لكن تشاء الأقدار أن تحرص على أن  تتمادى هذه الإصابات المحتملة، وكان ما ساعدها  كونها قد تعلمت البعض من أساليب وفنون المطاردة  والهرب، بفضل  مشاركتها المستمرة مع رامي في ألعاب الرالي المزدوج الذي يجب به فن القيادة والتحكم بالسيارة ببراعة، لم تتوقف عن التلاعب بالعقود بينما  تقود مسرعة لكن يشاء القدر أن  تصيب إحدي طلقاتهم خزان الوقود من الأسفل ليخدشه بدون أن يصيب البنزين الشرار الذي ينطلق من سرعة الرصاص حيث قد ثقبت الطلقة خرطوم البنزين وليس الصندوق نفسه مما جعل  الخرطوم أكثر مرونة، فتشقق الجزء الملتصق ببعضه حيث عمل على أن  يسيل الوقود علي الأرض في حين لا زالت تقود تلك السيارة كغريق تعلق بالقشة التي تنقذ حياته في بحر أهوج، في حين نظرها ينقسم ما بين الطريق وتلك المرآة تراقب اقتراب  سيارة المهاجمين الأخرى لعملية مطاردتها. 
لم يكن يكفيها جنان بحياتها ليضاف ما يحدث الأن فحدثت نفسها بحنق وغضب من ذلك الشخص الذي بسببه اضطرت للسفر لبلد غريب: ربنا ينتقم منك يا كريم، تصر على حضوري بريطانيا لكي تقدمني قربان للموت، حسبي الله ونعم الوكيل....
لتنظر خلفها لوهلة خائفة من اقتراب السيارة منها ثم تكمل بكائها وتعود لتردد موسوعة النقم عليه:  أهئ......هذه هي النهاية،  لم أتصور أن آخرتي أن أرى وأعيش جو المطاردات بعيني، آه لو مسكتك بين يدي، سوف اطبق على زمارة رقبتك واطلعها، ولن اتردد أن  ألحن بها لحن الخلود، ربنا ينتقم منك يا كريم.. أراك فقط!.... أين أنت يا رامو... إنك من يحب اجواء العصابات التي أراها بعيني. 
انتبهت مرة اخري أن أحد  سيارات المهاجمين اقتربت منها، فأخذت تضغط عل  الدواسة لتزيد السرعة وتناور لتحاول الهرب من مجال رؤيتهم و تستمر  بهذه الحركات لحين نفاذ الوقود من السيارة فتنظر لعداد الوقود لتجده فارغ، لتقول له بغضب كأنه بشري: هل هذا وقتك أنت الأخر،  سيارتك تشبه وجهك تقطع الخميرة من البيت. 
نزلت من السيارة فلا مجال للبقاء بداخلها فه٠ذه يعني القضاء عليها، فيجب أن تستمر في الهرب حتي لا يمسكون بها فأخذت تركض لتدخل الغابة القريبة، تختبئ خلف الأشجار لتهرب من المطاردين و بعد أن ابتعدوا عنها أخذت تركض مجددا و هي تتسمع لصوتهم يقول  لمحاولة إخافتها: لن تستطيعي الهرب فهذه المنطقة لا يوجد بها أحد. 
كما كان يحاول رفيقه إثارة الذعر بداخلها بنبرة صوته الزائرة كمن ينتظر صيد الفريسة التي يعلم مكانها: أين أنتِ يا فتاة؟، إذا ظهرتِ الأن لن أقتلك.
ليعود الأول بحديثه الذي يرعد الأوصال لتخويفها: يا فتاة لقد حل الظلام ستهاجمك الذئاب التي تملأ الغابة بسواد الليل. 
فيبدو أن كلماتهم قد أثرت بها فقد بدأت تخاف حقاً فالليل بدأ يحل بجانب أنها لم تعد تقوى علي الركض، لكنها تُقوي نفسها لتستجمع شجاعتها، و تعود لتركض و تركض إلي أن تلمح من بعيد نوراً يلفح في الظلام يضئ ضوء خافتاً فتركض باتجاهه كمن به خلاصها، لتستمر بالركض و هي تلهث بينما هم مازالوا يبحثون عنها في الغابة، إلى أن تصل لمصدر الضوء. 
فقد وصلت لقصرٍ يحمل بمعالمه الطابع الفيكتوري، ركضت إليه وحاولت بقوتها أن تدفع البوابة التي كانت تعاندها،  دفعت جزء يسمح من مصورها من خلال بوابة الحديقة لتفتح قليلاً لتدخل ولتعود للركض لتصل أمام الباب لتطرق الباب فلا يفتح أحد، فتظل تطرق فلا يفتح أحد أو يجيب، فترفع وجهها لتنظر للخلف لتلمح جرساً فتدقه فتسمع صوت رنين الجرس يدوي، فبعد دقائق يفتح شاباً طويل القامة متناسق القوام، يرتدي قميص أرجواني و بنطالاً اسود، فدهش لمنظرها المتعب و شعرها المتناثر من التأثر بلفحات الهواء الليلية، ليسألها بصوت مخملي:  ماذا تريدين؟، ومن أنت؟!
قبل أن تجيبه شعرت بأنها لم تعد قادرة علي الرؤية ليختل توازنها فسقطت على الأرض، ليسبق سقوطها ذراع الشاب من الارتطام بالأرض، فحملها بين ذراعيه بسهولة يحسد عليها ليدخل بها المنزل ويغلق الباب بقدمه، لم يتوقف عن المدخل بل أكمل طريقه بها للداخل و يضعها علي الأريكة الحديثة الطراز بخلاف المنزل و التي توسطت قاعة الاستقبال، ليجلب كوباً من الماء و يبدأ بمحاولة إعادة الوعي إليها، فلا تستيقظ فيغامر بأن يجلب بعض من مادة النشادر ليوقظها فلاحظ أنها قد بدأت تستعيد وعيها، حيث أصبحت تفتح عيناها بخمول و إرهاق، فيمد لها يده بكوب من العصير الطازج ليعيد لها الحيوية التي ظهرت بملامحها التي فقدتها من الركض، و ما أن استعادت كامل وعيها إلا و قامت من موضعها فانتفضت و تكورت علي نفسها قلقة. 
وقبل أن تسأل سؤالاً واحداً، سبقها مستفسراً: من أنت؟، ولمَ  كنت تركضين؟.
فتجيبه و هي تبتلع ريقها من التوتر من الأحداث التي مرت بها منذ أن وطئت قدمها هذا البلد المظلم بنهاره، فخافت من معرفة اسمها الحقيقي فقالت له بتلعثم:  أنا....ري.....ريجينا.... نعم أنا ريجينا طومسون.
وقد انطلت خدمتها عليه بفضل ملامحها التي كانت أقرب إلى الجمال الغربي ولغتها التي لا يشوبها شائبة، فحاول معرفة سبب ذعرها: ومما كنت تهربين أنسة طومسون؟
فتقوقعت بعقلها فنطقت كذابة لتحاول حماية نفسها، حتي لا يعلم أنها وحيدة هنا: لقد كنت بصحبة بعض اصدقائي، لكن هاجمنا بعض السارقين فاستطعت الهرب. 
يبدو أن كذبتها انطلت عليه  مجددا، فسألها بجفاء و غرور لتفاهة تفكير الشباب الذين يخيمون بهذه المنطقة:  اممم... هكذا إذن.... و هل لديك أحد تذهبي اليه الأن؟
أجابته بصدق هذه المرة فهي لا تعرف أحد هنا غير المدعو زوجها والذي لا تعرف الطريق إليه كذلك: لدي لكن لا أستطيع الخروج الأن...فأنا لا أعلم الطريق، فيجب أن اتصل بهم ليأتوا ليقلونني. 
فرحب باستضافتها لحين وصول أقربائها: يمكنكِ البقاء هنا لحين وصولهم، و لا تقلقي فلن يستطيع أحد معرفة مكانك أو الحاق بكِ هنا 
شكرته، وحاولت  الاستفسار  لتعرف من هو: شكراً لك، هل هذا منزلك؟
أومأ برأسه، ليقول بنبرة مجاملة أجاد رسمها على وجهه وبصوت ببراعة مناور: نعم... و يمكن أن تقيمِ في إحدي غرف الضيوف لحين حضور اصدقائك بالصباح. 
عادت لشكره علي حمايته لها، فقالت بامتنان على الرغم من عدم تعريف نفسه لكن حاولت استدراكه بالحديث:  شكراً لك سيد....
علم أنها لا تعرف اسمه فقال معرفاً عن نفسه بابتسامة باهتة: كيم....اسمي كيم، و لا داعي للشكر  فهذا واجب حين يعوز شخص الحماية يجب المساعدة. 
دلها علي غرفة للإقامة بها و أحضر لها بعض الطعام فهي جائعة، لكن في هذه الأثناء حاولت الاتصال برقم زوجها البغيض ليأتي ليأخذها، لكن رقمه خارج نطاق الخدمة، فأخذت تحاول وتحاول الاتصال برجاء لا تجده، لكن ظلت النتيجة ذاتها الرقم مغلق.
بينما هي تحاول الاتصال كان مضيفها في غرفته يفكر: ماذا سأفعل معكِ أيتها المغرورة،  ماذا سأفعل، إذا تفاديت مواجهتك الأن لا أعرف كيف سأتفادها لاحقاً؟، حقاً يا زوجتي العزيزة لقد صدق جدك، عندما أخبرني أنكِ قطة شرسة. 
خلدت ريجينا للنوم في غرفة الضيوف من شدة الإرهاق ليقوم الضيف المزعج بمفاجئتها، فقد فاجأها كابوس عن المطاردة و أن أحدهم أمسك بها، فصرخت صرخة مدوية، لتصدع بارجاء المنزل الفسيح  لتصل لأُذن المضيف الذي كان علي بعد غرفتين، فركض مسرعاً فقد فزع من الصوت و الصراخ، فقام بتلقائية بفتح الباب ليطمئن ويعرف مصدر الصراخ و لمن الصراخ فوجدها متكورة فوق الفراش تلهث من الخوف، فذهب إليها ليمسك يدها و يطمئنها أنها بامان. 
فقال لها بنبرة هادئة قلقة:  أنسه ريجينا لا تخافي، هذا البيت لن يجرؤ أحد علي الدخول اليه.
أفضت بمكنوناتها المرتجفة، وهي بين الواقع و الخيال وأخذت تبكي:  لقد امسكوا بي. 
وبدون أن يشعر فبمجرد أن نظر في وجهها المرتعد، ودموعها المنسدلة علي وجنتيها أخذها بين أحضانه لتسكن: اوشش اهدائي، أنتِ بأمان الأن،  أنتِ بأمان.
لتخلد في النوم ليضعها علي الوسادة علي أثر صوته الهادئ المستكين فنظر لوجهها كاد يتلمس وجنتيها  ليتذكر رادعه عندها فاق من سهوته, فخرج مسرعاً من الغرفة واغلق الباب خلفه، ليذهب إلي  غرفته ليستند علي بابها ودقات قلبه تنبض بوتيرة مسرعة غير منتظمة. 
فوضع يده علي قلبه ليقول له:  لما تدق هكذا؟، من هي لما هي؟، لا يمكن أن  يدق قلبك لفتاة، فأنت لا تثق بهن. 
فأخذ يحاول مراراً أن يكابر دقات قلبه فتنام الفتاة بهدوء الأن، لكن ذلك الشاب المسكين يسارع الموت في المشفى بعد أن عثر عليه بعض المسافرين علي جانب الطريق ملقي ليوصولنه إلى اقرب مشفى. 
حل الصباح و أشرقت شمسه لتعلن عن يومٍ جديد تخطو خطواته ريم وهي بشخصية ريجينا، ريجينا التي تقيم في بيت شاب غريب قبل دعوتها وحمايتها من خطر واجهته في أول يوم تخطو به إلي أرض وبلاد غريبه، استيقظت ريم علي صوت حفيف الأشجار الذي كان قريباً من نافذة غرفتها، وما إن فتحت عيناها إلا وقد سمعت صوت غاضب وقاسي، فخرجت من باب الغرفة تتسلل لتعلم ماذا يحدث، إلا وقد وجدته كيم مضيفها يتحدث في الهاتف، ليبدو أن ثورته لا تهدأ.  
فسمعته يوبخ الطرف الأخر ويتوعده: اسمعني جيداً لا أريدُ أعذار أريد معرفة مكانها قبل المساء وإلا فلتعرفوا حقاً غضبي.
ليغلق هاتفه في وجهه ولم ينتظر جواب المتصل، فركضت ريم مبتعدة عن الباب، ليخرج هو من غرفته وقد لا تعلم هي ماذا يعني الغضب عنده ولكنها رأت في وجهه موجة تشتعل نيران. فهمهمت في نفسها من ملامحه: لو زضعوا بيضة علي وجهه ستقلى! وبلعت ريقها لتكمل: ربنا يستر. 
لم تدري كيف حملتها قدماها عندما لمحها وهو يغادر الطابق لينزل ونادي عليها:  أنسه ريجينا. 
فخافت منه وغمغمت:  جالك الموت يا تارك الصلاة. 
نادي عليها ليطمئن علي صحتها: آنسة ريجينا، هل أنتِ بخير الأن؟
إبتلعت ريقها وأجبرت صوتها علي الخروج من حنجرتها: نعم... أنا بخير الأن..... شكراً جزيلاً علي حمايتي أمس. 
مر من أمامها كأنها لم تكن تتكلم: فلتتفضلِ .. فطعام الإفطار جاهز.
حاولت التهرب خاصة بتلك المعاملة الجافة: شكراً.. ليس هناك داعٍ لذلك. 
التفت إليها وعيناه تستعر من الغضب، ليقول بتماسك: العفو آنستي،  لكنكِ  لم تتناولي طعامك أمس و أظنك بحاجة للطعام لتستجمعي قوتك الأن.

إرتعدت من نظرات عيناه الحارقة، لتقول علي مضض: اظنك محق. 
ذهبت معه إلي غرفة الطعام التي ما أن رأتها انبهرت بجمالها الأخاذ، فقد كانت الغرفة باللون البني المحروق توسطها مائدة خشبية من الأبنوس منحوتة بدقة متناهية يحيطها مجموعة الكراسي بنفس اللون  ليشرد أحدهم عنهم فهو ذو مسند أكثر طولا و نقوش تدل علي كونه ملكي، وتتدلي من السقف الثرية الكريستالية التي تناغمت وعانقت ضوء الشمس الساقط عليها لتعزف معه سيمفونية من نغمات قوس قزح التي تنعكس علي المرايا المعلقة علي جدران الغرفة. فعلقت منبهرة:  إنها رائعة الجمال. 
فسألها باستغراب من جملتها:  ماذا؟
عللت سبب تعليقها بلباقة:  أقصد الغرفة والديكورات، إنها رائعة الجمال. 
فرفع حاجبه علي تفهمه لتعليقها، لينهي الحوار قائلاً:  شكراً لكِ... فلتتفضلِ الطعام جاهز.
جلسوا يتناولون الطعام، لكنه لم يضع لقمة واحدة في فمه فكأنه عكف عن الطعام والشراب، فسألته بهدوء:  لما لا تتناول طعامك؟
فأجابها بهدوء:  لست جائعاً.
انتهي الطعام فأستهل ليسألها بعدها:  هل اتصلتِ علي أحد يقلك؟
ردت بتحشرج:  لم اتصل بعد فقد استيقظتُ الأن. 
حذرها لكي لا تتأخر في اتصالها: فلتتصلِ علي أحد ليقلك قبل حلول الظلام فهذا المكان يخضى الرجال دخوله ليلا. 
تركها ليغادر بدون أن يستأذن فتضايقت من تصرفه:  ما به هذا الرجل، عايش الدور.
ذهبت إلي غرفتها وامسكت هاتفها فقد كانت وضعت اشيائها الخاصة في حقيبة تحيط بالخصر، فبدأت في الاتصال علي رقم زوجها لكن هاتفه مازال مغلق ولا تعرف له رقماً غيره، استمرت طوال النهار تحاول الاتصال به لكن لا إجابه، وهنا تذكرت انه يوجد شخص بإمكانه مساعدتها لو كانت في أي مكان، فرفعت الهاتف  وأخرجت رقمه من قائمة الاتصال ضغطت الزر فأجابها الطرف الأخر. فحدثته:  والله وحشتني.
فصمتت وهو يتحدث، واردفته: قبل ما تنطق حرف واحد، تجه   حقيبتك و تأتي لي إلى لندن، لتأخذني من البيت الذي أنا فيه. 
وعاد صمتها ليعلن هو حديثه فتجيبه بعد لحظات:  باتصل عليه من الصبح ولا خبر كان، و تليفونه مقفول، يارب يتقفل في وجهه طول العمر.
علت ضحكاتها بعد سماع حديثة وقد دوت في غرفتها، وقد كان ماراً من أمام غرفتها كيم، الذي دوت في أذنه صوت ضحكتها العزباء، فابتسم تلقائياً، فطرق الباب ليستأذن بالدخول فأذنت له وكانت قد أغلقت الهاتف. سألها بهدوء: اتصلتِ على أحد ليأخذك من هنا؟ 
هزت رأسها وقالت بخجل: نعم... ولكنه سيتأخر يوم او اثنان. 
فقال ليزيل الحرج عنها: فلتعتبري هذا البيت بيتك إلي هذا الحين.
شكرت صنيعه بامتنان: شكراً لك سيد كيم. 
غادر الغرفة ليلتحق بمكتبه الذي هرب منذ القرن الماضي يستنشق رائحة التاريخ فقد امتلئ بالكتب التي تقبع علي الأرفف، جلس على الكرسي الجلدي، وغمغم:   لو اتصلت علي جدها أو بابا و قلت يرسلوا لي صورتها هيقولوا صورتها معاك،  ماذا أفعل  يا ربي،  اقولهم قطعتها من غير ما أفتحها، وحاليا لا أجدها. 
أخذ يفكر وخطرت له فكرة ليتصل بهاتف ما:  اذهب إلي المطار وجميع المحلات التي في الطريق واحضر لي تسجيلات المراقبة لها. 
وبعد ساعتين خرج ليذهب إلى مكانٍ ما بعد أن جائه اتصال فترك ريجينا وهي تتنزه بحديقة البيت، ليدخل إلي مكتب ممتلئ بالأجهزة وشاشات التلفاز ليقابله رجل في الأربعين وسلم عليه. ليقول له مشيراً:  انظر هذه تسجيلات المطار في هذا اليوم وهذا هو سائقك وقد استقبل الفتاة، ولكن لاحظت أن هناك سيارتين كانت تلاحقهم منذ الخروج من المطار. 
فسأل بجدية: هل توجد تسجيلات توضح ملامح وجهها؟ 
رد عليه بشك: أظن ذلك في المنطقة الداخلية من المطار.
إلتفت إلي أحد الشباب المكلف بالمتابعة: أيها الشاب افتح تسجيلات صالة الدخول. 
ما إن أدار التسجيلات وشاهد التسجيلات ولحين التقائها بالسائق،  اعلنت عيناه ابتسامة لتلمع، فسأله ذلك الرجل بجدية:  هل نبلغ الشرطة للبحث عنها. 
رد عليه بابتسامة، و أردف قائلاً: لا يوجد داعٍ لذلك، ولكن لتبحث عن السائق، ومن كانوا يلاحقونهم.
*****

نهوي الركض في كل الأماكن نبحث عن أنفس تائهة أو نبحث عن أنفسنا التي تخلت عنا، قد نفقد براءتنا في ماضي غابر إلا أننا سنظل نشتاق لتلك المشاعر، فقد تكون مجرد نغمة موسيقية من نوتة نسيها الزمان، او مجرد لمحة حب في نظرات عينٍ صادقة، أو شعور ثقة افتقدناه هما سلطانٌ أخر لشعور مغاير و جديد. 

خرج من عنده ليركب سيارته ليغادر متوجهاً الي منزله، وما إن دخل بوابة المنزل  ليغادر  سيارته فما لبث إلا أن لمحها تركض بين الأزهار فابتسم، ودخل إلي البيت ليبدل ملابسه إلي أخري مريحة، فخرج ليذهب للحديقة، لكنها اصطدمت به عند حافة السلم. فاعتذرت وهي تشعر بالأسي: أسفة.... لم أراك. 
فابتسم لها لتتبدل ملامحه المتهكمة إلي أخري مهدئة لناظرها، وقال بصوت مخملي:  لا عليكِ لم يحدث شيء. 
تعجبت من تلك الملامح الجديدة التي تعلوها ابتسامه، لتسأل بعفوية: هو أنت بتعرف تضحك!
لتعلو ضحكة رنانة لسؤالها المفاجئ، الذي لم يسبق لشخص أن سأله إياه، ليستفسر منها: بالطبع أستطيع الضحك، لكن لما تستغربين ذلك؟ 
ردت علي سؤاله خجله من سؤالها الذي خرج عفوياً: هذه المرة الأولي التي أراك تبتسم في وجهي بها! 
عقب بطريقة سلسة فقد اطمئن أخيراً: لا يهم ما مضي يا صغيرة....
فقاطعته بحدتها: صغيرة من... أبلغ من العمر واحد وعشرون عام. 
فأمسك مقدمة أنفها ليداعبها: و ما زلت صغيرة. 
فتفاجئ بصفعة دوت علي خده وغضب اشتعل منها نيران، لتصرخ به: لا تلمسني مرة أخري. 
تركته و غادرت بدون النظر إليه ، ومازال تحت تأثير الصدمة ليرتفع حاجبية بتساؤل ليتمتم: ماذا فعلت لكل هذا؟ فتذكر امساكه بأنفها لتجحظ عينيه، و رتفع صوته قليلاً: يا نهار أسود البنت مجنونه، كل دا علشان مسكت طرف أنفها... أما لو كنت حضنتها ماذا كانت لتفعل! 
دخلت غرفتها و هي تستعر غضباً و تحدث نفسها بغضب: والله يا سيد كريم.. لأريك ماذا سأفعل بك، تحضرني  من مصر ولا تسأل، لا وأيضا قافل الموبايل.  لتتأوه وهي تكز علي اسنانها: اه اه. 
صعد إليها ليطرق غرفتها، فتحت له وهي تنظر إليه بحقد تريد قتله، فشعر بذلك ليسبقها قائلاً: أنا جئت أعتذر علي ما حدث بالأسفل.
قبلت اعتذاره وهي تغمض نصف عين: حصل خير.

فدعاها للنزول للطابق السفلي قائلاً: هو من الممكن تنزلِ تحت لأن الغداء جاهز، وللحق أنا جائع!
وافقت علي النزول فما زال هو مضيفها الذي ساعدها، فقالت لتحذره:  بشرط ألا تقترب مني. 
فأمسك بقبضة الباب لينحني برأسه و يشير بيده الأخرى لتمر قائلا ً ببسمة مندثرة: وأنا موافق... هيا الأن.
مرت من أمامه لينزلوا ليتناولا الطعام، بينما هو يسترق النظر اليها بدون أن تلاحظه ، ولكنها  تتناول الطعام وتشعر أن هناك بركانا يضرم في داخلها.  فتحدث نفسها بتحذير: يأتي فقط   وأنا سأترك هذه البلد  و سأوريك يا كريم.  
لكنه غارق فى أفكاره ليبتسم و يحدث نفسه بسخرية :  لم تسمح أن المسك بالغلط، و غيرك خدعوني وفي أحضان غيري، شكلك ناوية تغيري نظرتي ليكي، كنت ناوي أطلع عليك شتيمتك ليا وأنتِ في مصر، لكن  شكلك مثل  ما قال جدك. 
وهي تحدث نفسها بضيق: يا ويلك من غضب ريم يا كريم، ليست  ريم التي  تجيبها و تبهدلها،  ويطلع عليها عصابات وتجري وتتبهدل وتضطر تبات في بيت شاب غريب، يا ويلك يا كريم. 
ليتنهد و يحدث نفسه: يا تري ماذا حدث لك أمس من أفراد العصابة، وكيف حضرت لعندي  ولمَ صرخت  في نومك، وسبب  إن قلبي دق لما كنت قريبة مني، يمكن لأن...؟   لتوقفه روحه اليقظة من التشتت ليبدأ حديث الذات والنفس بينهما في عقله وقلبه:
_ يمكن ماذا يا كريم؟ إنها لا تعرف من أنت.
لتصمت و هي تنظر له ليعيد سؤال قلبه مرة أخري : لكن لمَ  فرحت لما ضربتك كف!  وتزوجت  عمر ما حد رفع يده عليك،  لو كان حد أخر لم تكن  لترحمه.
ليرد ليبرر له تصرفه: يمكن لا تعرف أني زوجها  و هي إمراتي، و لهذا   فرحت إنها لم تسمح  لأحد غريب يلمسها. 
لينتهي حديثه المستتر بعقله لترافقه تنهيدة سمعت صوتها ريم فالتفت علي صداها، لتسأل بقلق: هل هناك شيء سيد كيم؟ 
ابتسم لها ليبعد عنها القلق الذي بدر عليها، فقال نافياً:  لا يوجد شيء يا فتاة. 

حل الليل ليذهب الاثنان لنومهم  ليعاودها الكابوس مرة أخري فصرخت علي اثرها، مما أفزع كريم الذي ركض إلي غرفتها، ليجدها ترتعد والعرق يسيل بغزارة من جبهتها ويرافقه ارتعاد جسدها المنهمك من المقاومة ليأخذها بين ذراعيه و تمتم بكلمات الرقية الشرعية والمعوذتين لتهدأ علي أثرها فتعود لتنام مجدداً، وضع رأسها علي الوسادة ليطبع قبلة دافئة علي جبينها وتركها وغادر. ليهمهم لائماً نفسه علي تقبيلها: لا أعلم لم فهلت ذلك، وهل هذا صح و لا غلط يا كريم ، حتى لا اعرف سبب هذه الكوابيس! 

➡️ الفصل التالي ⬅️


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع التعليقات المسيئة للذوق والخلق العام

Post Top Ad