Post Top Ad

6/10/2022

رواية افقدتني صوابي الفصل الثالث

إكمال رواية أفقدتني صوابي ل اميره اسماعيل 

PicsArt_10-17-09.44.35


الفصل الثالث رحلة في وسط المجهول


نظن أننا داخل مؤامرة فالعالم أجمع قد اتفق ضد خطواتنا القادمة، لكن عندما نصاب بالخيبة والإحباط من أقرب البشر إلي قلوبنا حيث فقدنا لهم الثقة فقد كنا نظنهم هم السند والداعم لحياتنا الصغيرة التي نعشقها بجوارهم، نلجأ بعدها إلى أغرب الطرق للتخفيف عنا حيث تختلف تلك الطرق والوسائل إلي ذلك الحد الذي قد تصيب به الأخرين بصدمة أو تدخلهم في صدمات متتالية.
ولم يكن هذا البيت الوضع فيه يختلف عن أي حياة يعيشها الآخرون لكن هنا نتعامل مع بشر يهربون من واقع خائفون أن يسقطون به، فقد قام كل منهم بوضع مخططه الخاص في عقله قبل أن يخلد إلى نومه بهدوء، لكن لم يوشك أن يحل الصباح لتخرج ريم متجه بالذهاب إلى جامعتها، فأوقفها جدها قائلا: ريم.... إلى أين تخرجين؟.
أجابت بتلقائية حيث لا يختلف اليوم عن غيره بالنسبة لها: ذاهبة إلى الجامعة يا جدي فادي العديد من المحاضرات اليوم.
لكن ما صدمها هو جملته التي سقطت علي رأسها كمطرقة لتضرب السندان: لن تكن هناك جامعة يا ريم بعد اليوم.
تعجبت ريم من كلمات جدها كيف يمنعها عن دراستها التي تعشقها والتي تحولت لها، فهي مهربها من الحياة التي لا تعرف كيف أن تغزوها مرة أخرى لتقول بصدمة: نعم يا جدي لا يوجد جامعة... لكن كيف و لمَ!
فرد بجدية استنفذت قدرته على الثبات أمامها: اظن انك لسا محتاجة لهذه الدراسة يا حبيبتي.
تكلمت بنبرة استعطاف لتحاول جعله يتراجع عن كلمته اليوم: جدو أنت تعلم مدى حبي إلى الدراسة!
رد عليها بهدوء ليوضح سبب منعها من الدراسة والجامعة: أنت ستسافرين لزوجك لندن غدا في الصباح، وهو قد قام بالفعل بحجز تذاكر الطيران وقد أبلغني لأخبرك لأنك كنت نائمة.
صمتت لتتسمر بمحلها فقد وقعت صدمة أكبر علي رأس ريم، كيف فعل ذلك بها كيف!، ألم يكن ما بينهما لا يزيد عن مجرد عقد قران فقط كما أنه لا يوجد حفل أو غيره، على حسب علمها لا يوجد الركن الأساسي من عقود الزواج والذي قرأت عنه وهو بند الإشهار، حتي هي لا يمكنها التعرف على شكله فقد مزقت الصورة التي اعطاها جدها إياها وأحرقتها، وهذا لأنها لم تكن ستوافق علي الزواج بل وافقت فقط لتوقف علاء عند حده ليتأكد أنه لا يعني لها شيء، فقالت بغصة شديدة: كيف أسافر يا جدي ولا يوجد مصائب تربطنا غير هذه الورقة، حتي أنه لا يوجد إشهار، وأظن أنه شرط أساسي في قيام عقود الزواج.
باستطراد أعلمها ألا تقلق فتلك أشياء لا تفوتهم: كريم بلغني أنه أول ما تصلين إلى هناك سيبدأ بتجهيز موضوع الإشهار، وهو يصنع كل هذا ليكون أول من يبارك لكِ فهو بالتأكيد سيقيم حفل زفاف لكم هناك وطبعا جميع افراد العائلة سيحضرون، فلن يبتعد أحد عن حضور فرح بنوتي الحلوة.
قالت و الدموع تداعب مقلتيها بما تجده من مجريات سريعة حولها: وهل هذا مظهر يمكن أن تزوج بنوتك الحلوة كما نقول به يا جدو.
فرد عليها بعدها أن شعر بحزنها ليؤكد أنه يبحث عن صالحها فقط الذي لم تدركه هي حسب خبرته: ريم... أنت تعلمين مقدار حبي لك، كما تعرفين مقدار خوفي عليك، وأنا أرى أن مغادرتك إلى لندن أفضل يا بنتي وكل هذا من اجل صالحك ومستقبلك.
ذهبت ريم إلى غرفتها تبكي وهي تلعن وجود كريم بحياتها فهي تكره أن تكون دمية يلعب بها هنا أو هناك في مدينة الضباب، فكيف ستثق بعد أن تحداها وفي الوقت الذي كانت ريم بغرفتها وصلت سمية جدتها إلي جوار محمد زوجها وقد شعرت بحزنه فربتت علي كتفه بحنو وأردفته: لماذا تعاملها بهذه الطريقة، قل لها الحقيقة فقط حتى لا تكرهك.
نظر لزوجته وتنهد بتعب ليقول: هكذا أفضل أنا أعرف أحميها هكذا، ، كما أن كريم يا سميه رغم صغر سنه الذي أعرفه جيدا لكنه هو الرجل الذي يستطيع حمايتها فهو بمائة رجل.
لكن هي تعرف طباع حفيدتها النارية التي لا تقبل الإنصياع لما لا يعجبها فحذرته من خطورة تلك الخطوة: لكن ليست ريم يا محمد هي من ستقبل هذا الوضع، فلتعرف ام طباعه يمكنها أن تجعل حياتهم أشبه بجحيم أسود من سواد الليل، ستجعله يعاني حتى يكره نفسه وهذا وهي ستكون في بلد غريبه عنها ممكن يعمل فيها حاجة.
ضحك علي كلامها بطريقة الكلام والمصطلحات التي تشبه كلام حفيدته: هه، هي البنت أصابتك بلوثة كلامها.... ومهما كان كريم عصبي عمره ما يؤذي بنت مهما كان السبب كما أنها تكون زوجته، وهذا كان سبب اختياري له.
زادت غبطتها لتزيد في تحذيره: ما تقول الحقيقة وارحمها بدل ما تكرهنا.
تكلم بقهر من أسراره التي يخشاها: أقول ماذا يا سميه، أقول لها علي مخططات الجبان علاء، أنا أريدها أن تسافر قبل أن يعرف ما يحدث، وهناك ستصبح تحت عيون كريم، ومركزه بلندن يصنع له قدر يتعمله مليون حساب.
اندهشت من فكرته: حساب ماذا الذي يكون له، أليس يبلغ من العمر 25 سنه فأي حساب له.
ابتسم لعدم علمها بقوة صهرها وزوج حفيدتها الجديد: كريم يا سميه يدير امبراطورية صناعية حالياً بمفرده، هذه الإمبراطورية كانت ملك جده ادوارد فونيتو، وهو يديرها من أن كان عنده 18 سنه..
تفاجأت لتلك المعلومة الجديدة، فقالت باستغراب: يدير شركات من!، ألم تخبرني أنه يحضر لرسالة الماجستير.
فاتسعت ابتسامته لتملأ ثغره، ووضح لها حقيقة وقوة صهرها: هو يا سيدتي العزيزة النسخة الرجالية من ريم، فقد أنهى الجامعة وهو يبلغ من العمر 12 سنه كان يتخصص في الطب النفسي، وقد حضر به ماجستير وحصل عليه بامتياز وهو يبلغ 14 عام، ثم عاد مجددا لدراسة علم الهندسة المعمارية وقد انهاها وهو عنده 16 عام حضر بعدها درجة الماجستير، وفي عمر الثامنة عشر عام درس إدارة أعمال حصل عليها بامتياز، والأن يحضر ماجستير إدارة الأعمال غير حصوله درجة الدكتوراه بطب النفسية، وعلى الرغم من هذا يدير الشركات مع جده.
ووضعت يدها علي رأسها ونظرت للسماء ثم دعت بخوف حقيقي: يا رب سترك...أنه حوت مذاكرة أخر.
والتفتت إلى زوجها لتردف بقلق: وهذا كيف سيحميها من المشاكل فهو بالأصل غير متفرغ سوى للدراسة.. فكيف يقدر على أن يحميها من علاء؟
ضحك محمد علي أسلوب زوجته: هل تعلمين أن صهرك هذا كما تقولين حوت المذاكرة لو أشار بأصبعه علي شيء ولم ينفذ، تقوم الدنيا وتقعد من النار التي تشب حولهم.
فردت عليه بتأكد هي أمنت به لما تعرفه عن خطورة جده فونيتو ولو لم يتحدث بها أحد خارج هذا الحيز الذي يعيش به الصراع الأبدي للقوة: اكيد بسلطة جده!
هز رأسه نافياً، ليزيدها من حيز المعلومات التي لديه عن حياة هؤلاء الأفراد الذين انضموا لعائلته بالمصاهرة وليزيل سوء الفهم الوقع به زوجته: لا يا عمري بكلمته هو...فهو يمسك في يده أكبر مجموعات اقتصاد لندن واسكتلندا في الوقت الحالي، والجميع بعالم الإقتصاد والسياسة هناك يعرف من هو أو ماذا تعني مجموعة شركات فونيتو الاقتصادية التي تملك هيئة بنكية خاصة بها تتحكم في أغلب المدفوعات والمعاملات البنكية، وهذا يجعل الجميع يحسب لتحركاته مهما كان نوعها مليون حساب، وبصراحة اعجبني جدا تحكمه وسيطرته بالتفكير العقلاني منذ أول تعامل بيننا في أخر صفقاتي... يمكن أن أقول لك أن هذا الشاب كلمته قلم يسير على الجميع كما أنه يجيد حسن اتخاذ القرار والمناورة.
انبهرت سمية من حديث زوجها الذي لم تعهده منه قبلا، فكيف لزوجها أن يمدح شخصاً هكذا وهو من لا يعجبه أحد بمعنى أصح: ما كل هذا... لا ينقصنا سوى انك ستقوم بنظم قصائد الشعر في مناقبه وفتوحاته، لا أعرف الآن لو كان هذا الكريم بنت ماذا كنت ستفعل؟
ضحك لذلك التنبؤ الذي قد لا يغيب عن باله أحيانا فهو لم يكن يغفل عنه، ليجيب بسخرية لما كان سيفعله وسيمقتونه بسببه: ماذا فعلت!... ابتسم لها بخبث وكم ود أن يحدث هذا من نظرة عينه ليكمل: كنت سأزوجه من الغبي رامي!، كان سيساعدني في الانتقام منه علي البلي الأزرق الذي يخرجه ويطلعه علينا في كل حين.
علت ضحكات الاثنان معا من تصور ماذا يمكن أن يحدث حقا وما يتمنونه، لكن هناك شخص يستشيط غضبا مما يحدث حوله حقاً ليرن هاتفه ليعلن عن اتصال دولي، فوجد أن ما يزيده حقدا هو حديث المتصل بسخرية شديدة: علي الله تكون عجبتك مفاجأة جدو على الصبح.
شهقة غير ارادية هي ما اعلنت عن نشوف الحياة بها كحريق يشتعل في آتون خامد وهددته بجدية: أنت هو السبب. إذا .. أقسم لك بكل ما هو غال يا .... إذا لم تقم بالاتصال مجددا بجدي وأنهيت هذه المهزلة، والله لأطلع علي جسدك كل البلاء الأزرق يا سيد كريم.
رد عليها بحدة ممتزجة بهدوء أعصاب ملفت لا يستعمله سوى مع العدو في ساحة المعركة: لست أنا من يهدد يا زوجتي المصون، وكانت هذه الحركة هي مجرد قرصة أذن ودرس فقط لما يمكن أن افعله، و والآن هيا يا روحي جهزي حقائبك حتى لا تفوتك الطائرة فهي لن تنتظرك بالغد يا حبيبتي.
سخطت عليه بكل ما هو مقدس وتمنت أن تراه أمامها لتحصل على انتقامي كما تأمل بكل ما بها من خداع تريده، لتلقي علي مسامعه: طائرة تحترق بك ولا يبقى لك أثر يا كريم الغم.
لم يدعها تكمل حديثها الذي يضحك واغلق الهاتف في وجهها، لتتبعه بأن رمت الهاتف مرتدا بالحائط ليجن جنونها الحق: أقسم لك يا زفت انك سترى مني ما لم يراه أحد قبلك.
قامت ريم بتجهيز حقائبها العشر ذوي الحجم المتوسط حتي لا تتأخر في التفتيش الأمني بأرض المطار مع الحقائب الضخمة التي تعيق المسافرين، فوضعت الحقائب متراصة بجوار بعضها البعض بحذر شديد لا يعقله بشر كما لو كانت تهرب بها الألماس فهي جمعت بالعديد منهم عشقها الذي لا ينتهي من نهم الحياة التي تبغاها؛ كتب وموسوعات علمية، ومدونات، ومجلات، كما لم تغفل عن وضع بعض السلاسل الخفيفة للجيب من بعض كتب المطاردات البوليسية أو كتب الروايات العاطفية، لكن ما يجعلنا لا نعرف كيف تفكر هو حركتها التي جعلت بها واحدة بحجم صغير فوضعت بها مجموعة خاصة مغلفة بعناية شديدة تحسد على جودتها؛ كانت قد أخرجتها من غرفة مكتبها الخاص الملحق بجناحها في بيت المزرعة وقامت بإغلاقها بحذر شديد مع التأكيد على الرقم السري.
لكن ما يجعل المشاهد يقف فاغر الفم هو كونها تتحدث مخاطبه الحقائب التي تحوي تلك الأوراق و الكتب التي نسقتها بجلدها الخاص: أتعلمون أنتم أغلي ما أملك في هذه الليلة بأكملها، أعرف أنكم تحزنون أنكم النسخ والأصل محفوظ بعناية لكنكم أنتم من سيكون سندي في أيام الغربة.
بالطبع حدث المتوقع من البشر العاديين عندما يروا ما لا يصدق من قبل العقلاء كما يزعمون، فعندما دخلت داليا إلي غرفتها لتطمئن عليها وتقوم بمساعدتها في تحضير حقائبها فشهقت وهي متفاجئة من وجود العشر حقائب متراصة بجوار بعضها البعض، لتحاول إخراج دهشتها في شكل سؤال مبهم لتقول باستغراب من رفيقتها: ما هذا يا ريمو هل وضعتي الدولاب كله في الحقائب!
نظرت لها ريم مندهشة من السؤال الغير بديهي لها، فردت مستنكره لما تقوله لها: دولاب ماذا الذي أضعه داخل حقائبي، أخبرتهم أنك هبلة ولم يصدقوني، أنا أضع دولاب في الحقائب لمَ!.
لم تكن تلك الكلمات صحيحة عند المقيل ولهذا شعرت داليا بشيء غير صحيح يحدث حولها فريم التي تعرفها لا تهوي الملابس كثيراً، فهي تعشق أن ترتدي ملابس عملية ومريحة لهذا لا تختار سوى الملابس الكاجول الحديثة أو المنسقة المريحة وهذا لا يحتاج عشرة حقائب فهي تكره ملابس السهرات التي تتطلب عناية خاصة، فاتجهت بحذر لكن ما يقلقها هو أنها تشعر بغصة في قلبها من القادم، فقامت بفتح إحدي الحقائب لتفاجئ بمحتواها فاستمرت حركتها بتتالي غريب هكذا ومع كل واحدة تفتح تزداد عيناها جحوظاً وتشهق ولم تعد تستطيع الاستيعاب بما تراه إلى أن وصلت ثمان حقائب حتي تصرخ بصدمة.: يا لهوي.... الحقني يا يوسف، الحقيني يا طنط ميرفت، الحقوني يا ناس.... الحقوني يا أهل البيت.
لم يكن دوي صراخ داليا في البيت باليسير الذي جعل من اتساعه بسماع دوي خالص من صوت الصدى الصارخ، فهرع الجميع خائفين مما يكون قد حدث لها؟ ولما تصرخ هكذا؟ وما زالوا يتبعون الصدى الحاد إلى أن وصلوا إلي مصدر الصوت الذي كان يصدر من غرفة ريم، فكان أول الواصلين بقدرة غريبة على الركض يوسف ليسأل بذعر: ماذا حصل يا داليا؟، لمَ تصرخين هكذا؟
خافت من هيئته القلقة والتي تعرف إذا لم توجد ما يستدعي النجدة تصبح العصبيه هي المتحكم بحركته وغضب فردت بتوتر وصدمة بينما كانت تشير إلى الحقائب: انظر إلى هذه المصيبة.... البنت المجنونة قامت بتجهيز عشر حقائب سفر.
نظر لها يوسف بحدة ولازمها ضحكة ساخرة تنم عن الغضب المتصاعد لاستحالة قيام ريم بتجهيز ذلك العدد من الحقائب، ليقول باستهزاء من تبريرها للهرب من الخطأ الذي صدر منها وأقلق العائلة كلها: هه... مستحيل أن تقوم ريم بتجهيز عشر حقائب سفر، ألا تعلمين يا ماما ان شعارها الأزلي هو ( أحمل ما خف تجد الراحة و تهدأ ).
شعرت أن الفكرة غير مصدقة أو يتغافل عنها بنظره لعيناها بالفعل فنبهته بجدية وهي تتحداه أن ينظر للحقائب: تمام، اتفضل وانظر لهذه الحقائب المتراصة.
حركة عينه تبعت إشارتها حتى لا يغفل عنها لكن كادت أن تخرج عينه من مقلتتيها لما رأي من حقائب مفتوحة والاكثر صدمة ما تحويه من كتب، فانطلق هامساً بصدمة مباشرة: يا نهار أبوكِ أسود.... هل وضعتي الفجالة في الحقائب!.
كانت كلماته التي همس بها بصوت مرتفع بدون قصد هي ما وصل لمسامع من قد وصل من باقي افراد العائلة الذين قد اتجه نظرهم إلى الحقائب بناءً علي كلمات يوسف المصدومة الذين ما إن شاهدوا الحقائب حتي تبدلت ملامح وجوههم بالفعل بتلقائية بين الدهشة أو الحيرة أو سيطر عليهم الشرود.
لكن في تلك اللحظة من قطع غلاف الصمت الذي باتوا فيه هو صوت ميرفت الذي قد بدأ عليه القلق الشديد: ريم أنت قد جننتي صح أم أنا من يهلوس، هذه الأشياء ليست كتب!، أخبريني أنها ليست كتب حقيقية!
ما لم يكن باستيعابهم هو أنها بالفعل استغربت من ملامحهم المدهوشة فهذه حقيقتها فاتسعت ابتسامتها لتملئ وجنتيها وتقول بهدوء: ماذا يحدث ما بكم، ولما تنظرون لي بهذه الطريقة هل يوجد بي شيء خاطئ.
صعق يوسف من تصرفاتها الجنونية وسؤالها الصاعق، ليتصنع البكاء بطريقة ميلودرامية ممتزجة بمرح صاعق وهو يضع يده علي رأسه ليمنعه من الانفجار: آه.... يا عقلي يا أنا يا أبا.. انا لا أصدق أن هذه الفتاة هي من درجة ذكائها اعلي من أينشتاين!.
فتكلمت ببراءة شديدة من موقفه لتستوعب لما يتصرف بتلك الطريقة: ما بك يا جو .. ماذا هناك... وما أحضر أينشتاين إلى حقائبي!.
فنظر يوسف إلي داليا ببساطة بالغة، ليسألها بجدية مخيفة لمحتها بطرف عينه: دودي حبيبتي ... هل أنت متأكدة أن خزنة سلاحي فارغة وليس بها رصاص.
أجابته بتلقائية عهدتها منه وتأكدها ولمعرفتها بخلوه من الطلقات النارية: نعم يا جو... لكن لمَ تسأل؟!
رد عليها ببساطة كمن يحضر ساندوتش بعد أن نظر لريم، ثم التفت بجسده ليخرج من الغرفة: سأذهب لأعمره واعود... حتى أفرغه في دماغ المجنونة التي ستصيبنا بالجلطة.
ثم يلتفت بنظره إلي عائلته قلقاً من تعرضهم لضرر من الصدمة فنقل بصره ما بين أبيه ووالدته وعمه وزوجته وجده وجدته؛ ولم يخيب ظنه فقد وجدهم جميعا ما زالوا في حالة ذهول لم يستطيعوا الخروج منها أو تصديق ما رأت أعينهم، فصرخ بها كمن ينوح علي قتلاه: يا حسرتي منك .... جننت العيلة كلها ، ماذا ادعو عليك يخرب بيتك وسنينك، يا شيخة روحي منك لله.
ليقوم برفع إصبعيه السبابة للسماء وهو ينظر كمن يدعو: حسبي الله و نعم الوكيل بك يا ريم يا بنت عمي جننت الناس.
وما صدمها حقا هو أنها وجدته يلتفت إليها بغتةً بنظرة توعد حقد وقد فهمت مغزي نظرته، فانطلقت راكضة هرباً منه بسرعة تسوقها قدمها لعلها تسبق الريح هربا منه وهو يركض خلفها ويزيد من حديثه في تأنيبها: حرام عليكِ يا مفترية، أكون ضابط محترم ويهابه الجميع ويحسبون لحركته ألف حساب وتأتي أنت بمظهرك هذا وتجعليني أجري خلفك كاللصوص، ربنا ينتقم منك يا شيخة.
لتضحك علي شكله الذي لم تعده منه وهو يركض خلفها، لتردفه بمرح وخفة ظل أحبت إغاظته بها فلن تتكرر تلك الفرصة مجددا: وهل نصحك أحد واجبرك أن تركض خلفي، ما تتهد وتقعد واملأ مركزك.
فأستدرك بحسرة على حالهم وما يراه منها بتعب يقلقه: مركز ماذا، وهل تظنين أنه طول ما أنت خلفنا سيستطيع احدنا منا أن يشعر بالراحة.....، لا زال البشر في الداخل لم يفيقوا من تأثير الصدمة التي تلقوها منك.
فصرخت بحزن ليفهم ماذا تريد حقاً: يا أخي إنها كتبي و أريدها معي وبجواري.
شغر بها ولما أرادت هذه الكتب فحاول أن يجذبها بعيدا عن الفكرة فحدثها بسخرية وبضحكة عالية و مرح: تريدي ماذا.... هذه الكتب سوف يقبض عليك في المطار بتهمة تهريب كتب دار الثقافة... كما أن لندن تمتلئ بمكتبات ومحلات بيع كتب وستجدين منها المصري والعربي كما تريدين!.
قد ارهقها كثرة الركض بالقرب مته فجلست في وسط الحديقة لتربع قدميها وقد أسندت وجهها علي راحة يدها كأحد المساكين، فهي حقاً تعبت فقد هبطت من الركض في ارجاء المنزل والمزرعة بسببه، ليجلس أخاها أيضاً هابطا بجوارها يلتقط انفاسه فاستهلت شكواها إليه: ماذا اصنع؟... جدو زوجني بالإجبار ولا يحق الرفض، كما أنه يصر على سفري لهذا البني آدم المتواجد هناك بدون أي سبق معرفة، فقلت اخذ كم كتاب اتسلى بهم في الرحلة.
ضحك بسخرية وزاد قائلاً: تتسلي في ماذا يا بنت المجانين، الناس تأخذ كتاب أو اثنين ربما خمسة، لكن لم أرى أحد طبيعي يأخذ معه عشرة حقائب... هل تأخذيهم على أساس عدم وجود دور ثقافة أو محلات أو مكتبات هناك.
فبررت تصرفها الذي جعلها تنتهج هذا التصرف له بخنوع من القلق الذي تشعر به يكاد يفتك بعقلها من شدة الفكر المرهق: أشعر بخوف شديد ... كما انت تعلم جيدا أني عندما أخاف من أمر ما أتجه لقراءة الكتب، لكن ليلة أمس قد سيطر الخوف عليّ عندما كنت أجهز الحقائب، ولم أفق إلا بعد أن وضعت هذه الكتب بدلا عن الملابس.
كانت عيناه محدقة بها بعناية وإمعان في حديثها الذي لم تكد تنهي أخر كلمة لها وهي تشير بيدها لتعلو ضحكته تكاد تنشق ترتفع لعنان السماء من ببراءتها التي لاحظها بهربها من الخوف كما فهم من حركات جسدها، فتحدث حامداً لفضل ربه عليها وعليه والعائلة قبلها بنبرته المازحة ليخرجها من بؤسها: الحمد لله... إنك لا تحبين التعامل مع الممنوعات، و إلا كانت حقائبك قد امتلأت ودبسنا في قضية مخدرات، وتم القبض غليك من قبل إدارة مكافحة المخدرات و أنا كنت سأحول للتحقيق وللإيقاف من جراءك.
أعجبتها الفكرة التي طرحها عليها بدون أن يلاحظ، لتشاركه ضحكة خافته: صدق عندك حق.... يمكن أن أجهز له إحدى قطع المخدر وابلغ عنه فيقبض عليه فننفصل بدون أن يلومني جدي!.
سخر من سذاجتها التي سيطرت على تفكيرها الجرائمي البسيط ليضحك ساخراً: لقد جاءت الفكرة معك خارج الملعب يا أنصح أخواتك، لا تحاولي اللعب معه.
فحزنت لكسر خاطرها بفكرة راودتها وقد ظنتها خلاصها خاصة أنها كانت ستعتمد عليه بها، فتصنعت الحزن و أردفت: لم كسر الخواطر هذا؟!
فرد عليها بتفهم من وضعها، ليفهمها مدي ساذجة فكرتها: يا صغيرتي لقد عرفت أن الشرطة هناك في جيبه الصغير فكيف ستلاعبيه!.
صعقت من فداحة ذلك الخبر الذي قد يلجم حياتها، فسألت لتتأكد: انت تتحدث بجدية حقا أم تخيفني فقط.
أجابها بثقة فقد سأل بالفعل عنه أحد أصدقائه: يا ماما واحد صاحبي كان معي في التدريب منذ سنتين ويعمل في الشرطة هناك، عندما سألته عن تاريخه فبمجرد أن سمع اسمه صدم ولم يستطع الرد.
فشككت في صدق كلامه: لمَ يصدم أليس بني آدم!
نبهها لمقاطعتها حديثه قائلاً بزيادة: اصبري فقط يا أم العريف...
صمت ليوضح حديث صديقه: وجدته يقول لي بقلق أن الغلطة معه بتساوي قطع رقاب، ممكن أن يحصل على رفد أو طرد وممكن انهاء خدمته لتصل إلى السجن، ولا يوجد واحد منهم يمكن أن يتحداه.
شهقت بخضه مما سمعته عنه فقد ظنته أحد أعضاء العصابات: يا نهار... جدك زوجني برجل مافيا!.
لم يقدر سوى أن يقوم بتحذيرها من نتائج جنانها بجدية: ريم... لقد أخبرتك هذا ليس لإخافتك، لكن يا أمي لكي تهدى من لعبك و مقالبك معه، لأننا بالفعل لسنا بحاجة إلى وجع الدماغ فلدينا ما يكفي.
أمسكت وجنتيه بمرح لتقول برجاء حتى ينقذها: حبيبي يا جو، بحبك، لماذا لا تتزوجني انت ونرتاح من هذا القلق.
فقال بمزح بعد أن هرب من قبضتها: تتكلمين معي انا! ...... عمدها فقط أؤمن أن زوجة عمك رانيا قد دعت عليّ ولم تقم بالدعاء لي.
فانزعجت منه لتوبخه: جاءك الغم تسد النفس... سأترك وأقوم أنام استعد لطريق السفر الهباب.
فنادي عليها يذكرها بعد أن ابتعدت عنه بصوت حنون: لا تنسي تفريغ حقائبك... حتى نتفادى إصابة أي شخص بأزمة قلبية.
وبالفعل ذهبت إلي غرفتها لتنام فتريح جسدها وبالها الذي اشغله يوسف بكلامه عن زوجها المستقبلي، لكن لم يكن هذا حال البقية فكان في غير مكان فهم ينظرون إلي بعضهم البعض، يضحكون تارة و تدمع عيناهم من البكاء تارة أخرى عندما يتذكرون، و حالهم ومقالهم لم يخرج عن جمل طبيعية من بين: (اقسم بالله البنت قد جنت) أو قولهم (ربنا يكون في عونك يا كريم ربنا بلاك بأم الجنان) أو قولهم (حسبي الله و نعم الوكيل) فهم بالتأكيد قد اتفقوا علي جنانها الذي توطن بها منذ نعومة أظافرها، لكن مع ارهاقهم ذهبوا إلي النوم غارقين من فرط التعب، بينما كانت ريم أ حلامها عادت لتطاردها ما بين الموت أو الفقدان فعاودتها الكوابيس مجدداً فاستيقظت علي أذان الفجر ثم اغتسلت و توضئت لتصلي فرضها، لتقوم منفذة كلام أخيها بتجهيز نفسها وتفريغ حقيبتها للسفر في تمام الساعة السادسة، وقد كان حال الجميع ما بين الصلاة و الاستعداد فسوف يغادروا معا في نفس التوقيت المزرعة بطريقهم لإيصال ريم المطار والعودة مجددا إلى منازلهم التي توجد بالقاهرة، وبالفعل ذهبت ريم المطار وقد ودعوها لتصعد طائرتها التي غادرت أرض القاهرة لتصل وتهبط أرض إنجلترا بمطار هيثرو بأمان.
لم تقف فقط بل استقرت في صالة الوصول بمطار لندن، فبمجرد خروجها لبوابة الاستقبال أخذت هناك تبحث بعيناها عن شيء يمكن أن يساعدها وتعرفه فهي لا تعرف شيئاً قط هناك فلم تذهب لندن قط رغم كثرة ذهاب بعض أفراد العائلة بها و دراسة الأخرين بها ولم تكد تفقد الأمل حتى وجدت شابا في منتصف العقد الرابع تقريبا فقد لاحظت اقترابه من الخامسة والثلاثين من عمره يحمل لافته كتب عليها اسمها بالعربية و الإنجليزية على حد سواء، فذهبت إليه ليدلها على السيارة التي جهزت لها ليركبا بها، حيث انطلقت بسرعتها المعتادة متخذة طريقها المعروف له إلي قصر زوجها، لكن في الطريق حدث أمر غير متوقع و لم يكن في الحسبان فقد غيرت لحظة معايير الموقف لها.
فلم تتوقع ريم بحياتها بأكملها أن مجرد رحلة بسيارة مع شاب يبلغ خمس وثلاثين عاماً يتخذ من مقعد السائق في سيارة كلاسيكية سوداء حيث لا يمكن أن تفعل شيئا سوى أن تجلس في الخلف هذا القدر من الغرابة، حيث كان الأمر طبيعيا في بدايته مجرد شاب يقود السيارة في طريقه الذي كان مزيجاً من العمارة في البداية ليعقبها بعدها الانتقال إلي المزارع الخضراء، التي اندمجت معها فهي تحب الطبيعة والأشجار واخضرار الأراضي الذي يمتزج مع زرقة السماء و الهواء الذين يجعلوها تعشق الحرية.
حيث لم يلاحظ هذان أن هناك من يطاردهم حيث كانت توجد خلفهم سيارتان تلاحقهما بحذر، وما إن وصلت سيارة ريم للمنطقة المهجورة من السكان أو المنازل حيث لا يوجد بها أحد يمكن اللجوء اليه، إلا و قد قام المطاردين بالزيادة من سرعتهم ليقطعوا الطريق عليهم، فقاموا بالوقوف أمام السيارة تقاطعي يحملون بيدهم مسدسات ألية يوجهونها نحوهم يطلبوا من السائق النزول، لكن السائق نظر إليها وقبل أن ينزل وجهة نظرة لريم وقال لها بجدية: سيدتي.... ارجوا منك الاحتياط و الحذر وعدم النزول من السيارة لأي سبب كان.
لم يكن الموقف أكثر من غريب لريم فالذي أثار تعجبها هو كونه يتحدث العربية بطلاقة: من هؤلاء؟.
_ لا أعرف سيدتي، ولكن إذا حدث لي شيئاً فلا تخرجي من السيارة، وقومي بقيادتها علي هذا الطريق الجانبي الذي كنا قد تخطيناه منذ عشر دقائق.
جحظت عيناها خوفا عندما نظرت بعينه فقد ارتعبت بالفعل من كلماته غير المطمئنة، وترددت وهي تسأله بخوف: ماذا تقصد أيها الشاب؟.... وأي طريق هذا الذي أذهب إليه؟
فرد عليها قائلا ليطمئنها: لو لم أنزل لهم الأن بالتأكيد سيهَاجِمُوننا، لكن لو حدث لك شيئاً سيقتلني الرئيس ولن يتردد... كما أن الطريق الذي دللتك عليه سيأخذك لمنطقة توجد بها بعض القصور التي يملكها بعض الأغنياء هنا وقد يقطنون بها، فاطلبي اللجوء عند أي احد منهم ثم اتصلي علي الرئيس بعدها مباشرة.
أرادت إيقافه فتلك المجازفة لأجل الحفاظ على حياتها قد يذهب هو ضحيتها: أنتظر ولكن لا يوجد ما...
لم يستمع إليها الشاب فنزل إليهم وحرص على أن يغلق السيارة بحذر تام، فبمجرد أن وقف حاصره المطاردين فأخذ يدور حول نفسه يحاول معرفتهم ودراستهم، فوجدهم ستة شباب يشبهون أعضاء العصابات المسجلة خطر وقد لاحظ فعلا الوشوم الدالة علي عصابتهم التي ينتمون لها في مؤخرة عنقهم بدون أن يشعروا فحاول التخلص منهم و هم يحاصرونه.
حاول أحد المهاجمين المجازفة والذهاب إلى السيارة ليقوم بإخراج الفتاة، وهو يقول لهم بصرامة وأمر كقائد: اهتموا به، سأخذ الفتاة.
عندما سمع الشاب هذه الكلمات ذهب لإيقافه وللانفضاض عليه، بينما الأخرين يحاولون التصدي له، لكن الشاب أثبت أنه مدرب علي الفنون القتالية ببراعة، بينما يلهث الأخرون وهم يحاولون مجاراته بالرد والهجوم في مهارته القتالية.، لكن يئسوا من ذلك فقام أحدهم بإمساك المسدس بقبضة يديه و توجيه فوهته للشاب وقال له بتحدي يحسد عليه: لن يهمني شيء لو قتلتك، فنحن أُمرنا بالحفاظ على حياتها هي فقط.
 ➡️ الفصل التالي  ⬅️

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع التعليقات المسيئة للذوق والخلق العام

Post Top Ad