رواية أفقدتني صوابي بقلم اميره اسماعيل
الفصل الثاني تحدي من نوع اخر
انتهي الجميع من الطعام ليتبعوه بصلاة فرض العصر فما كاد ينتهي المغيب حتى وقد تجمع الجميع في الصالة الرئيسية ما عدا الأخوين عادل وجمال اللذان اعتكفا مجلساً يخصهما في المكتب العلوي حيث أنهما يعرفان ماذا سيحدث عند التجمهر الذي لن يستغيثوه اليوم فهما يعلمان ماذا سيخبرهم الأسواني مسبقاً، لكن في المجلس بالأسفل فقال محمد بحذر: جيد أن كلكم متواجد تقريبا.
لكن تلك الجملة أيقظت القلق المستميت بقلب سمية والتي تسألت عن بقية العائلة: لكن جمال وعادل غير متواجدين هنا.
فأجاب محمد بغير اهتمام: غير مهم تواجدهم.
هنا انتبهت حاسة التحري عند رانيا التي تحدث بشك داخلي تريد التأكد منه: خير فيما كنت تريدنا يا بابا؟
محمد بكاريزما حاضرة بقوة تغلبت على جميع المتواجدين حيث أصبح يواجه ريم بعين لا ترمش ولا تغفل عن خلجاتها التي يريد مواجهه بها: ريم.... كتب كتابك بعد أربع أيام.
كان الصدمة لم تحتل صاحبة الأمر فقط بل شهق الجميع من الصدمة عند تلقي الخبر ولكن صدمة ريم أصمتتها عن الحراك فالجنوب هو الذي سيطر عليها حتى أنها لم تعرف كيف تنطق حرف واحد، فكانت قسماتها يبدو عليها عدم التصديق إلا أن يوسف كان في تلك الصدمة بمثلها يحاول استيعاب الأمر الذي ما زال يحل طلاسمه: كتب كتاب من يا جدو!
فنظر له محمد كمن ينظر لهر وقال بسخرية: كتب كتابك يا خفيف.... كتب كتاب ريم.
لم يكن الموقف بسهل عليه فرغم عمله ما زال غير مستوعب للكلام الذي رمي في وجهه كالحجار: قصدك ريم ريم..
ارتفع صوت محمد الأسواني يقاطعه وليفيقهم جميعا قبله هو: وهل يوجد عندك أو لدينا فتاة أخرى تدعى ريم، يا حضرة الضابط!
يوسف استنكر الفكرة والأسلوب التي طرحت والإجبار الذي سيواجهونه: غير معقول يا جدي... كتب كتاب.... هل أحد منا اخذ رأيها!
أوقفهم محمد بصرخة هادئة بنبرة جافة بصوته المخملي: أنا قررت ولا يوجد تراجع.
لتقوم ريم بالركض هربا إلى غرفتها مسرعة عند سماع تلك الكلمات فحاولت النساء الحاق بها فكانت والدتها والتي انضمت لها والدة يوسف رانيا وكذلك داليا، ليتوجه يوسف إلى والده وعمه وبقيت سمية مع محمد والأطفال بجوارها، لكن لم تتوقف ريم عن البكاء برفقتهم لتكون كلماتها مصحوبة بحدة لم تسيطر عليها على الرغم من أن ووالدتها تهدئها: لماذا سأتزوج تجوزني بالغصب.
حاولت داليا تهدئتها فقد يستطيع شخص ما إقناع الجد: إهدئ.... بالتأكيد و خالوا سيحاولون حل الموضوع.
لكن امتلأ قلب ميرفت بغصة و قلق لم تستطع مداراته : كفاية بكاء يا حبيبة قلبي.... بابا سيتصرف بالتأكيد ولن يتركك.
لترتمي ريم بين احضان والدتها ويزداد بكائها، لكن الوضع بحدته ليس بأقل عند الشقيقان حيث دخل عليهم يوسف غاضبا رغم أنه هو من يتعاطى بالبرود وقد اغلق الباب بقوة: هل كنتم على دراية بالكلام الذي كان جدي يخبرنا به؟!
لم يستطع عادل النطق فقد تكلم جمال بدلا عنه بصوت متحجر: اهدى يا بني...
فقاطعه يوسف بعصبية: كيف أهدأ....... ألم تسمعه يتحدث عن كتب الكتاب..
فأعاد النظر إلى عمه حيث وجدهُ يضع رأسه مستندا علي يده. فأكمل: وهل أنت موافق يا عمي على هذا الوضع.
فرد عليه عادل مجبوراً: اوافق على ماذا، فأنا لا أعرف ماذا يمكن أن أفعل لأساعدها به!
فخفت صوت يوسف متحشرجًا: ماذا يا عني هذا الكلام.
فرد عليه جمال باستياء لم يتواصل عن إظهاره: جدك مصر... كما أنه يقول أن هذا الزواج من أجل مشاريع العمل الجديدة فهو يريد ربط أواصل العلاقات بيننا وبينهم!
ضحك يوسف بسخرية من حالهم الذي وصلوا إليه فتحدث بقهر يريد القضاء على الجميع في تلك اللحظة: علاقات عمل وصفقات جديدة نبيع فيها ريم لتزيد الترابط!.... لا كدا زادت قوي، يلعن البيزنس الذي سوف يدمر حياة أختي وأنا واقف أشاهد دمارها من بعيد.
فاستاء عادل من حديثه وتنهد بوجع وهو يزيد بحسرة احتلته: اه... فليخبرني أحد منكم ويقول لي ماذا افعل، كيف استطيع انقاذ ابنتي الوحيدة.....وكما نعرف أن سيادة الإمبراطور محمد الأسواني لن يتراجع عن كلامه مهما حدث.
صمت عادل لوهله ثم أردف بإحساس القتيل في جنازته: واه.. وقد اتفق بالفعل على ميعاد كتب الكتاب وليست مجرد خِطبة.. وكأن ابنتي فعلت كارثة نحاول مداراتها!
نظر يوسف لعمه بحدة من هذا الحديث الخائن الظن بهم فقال بإصرار: لا عاش ولا كان من يمكنه أن يتكلم عليها وعلى شرفها بحرف واحد.
تمر الأربع أيام تباعاً وقد كان الجميع يشعر كأنه في قبر لا يستطع الخروج منه وقد جاء ضيف أخر، عند حضوره شعر الجميع بالغثيان فقال الضيف لريم بنبرة مشككة ما هذا الذي سمعته يا ريم... هل ستتزوجين؟
فأجابته ريم وهي تشمئز من التواجد معه: ماذا تريد يا علاء!
فنبهها علاء بحدة وبلهجة تحذيرية: هذه الزيجة لن تتم يا سيدتي..... فأنتِ لي ولن تكوني لغيري.
أجابته ريم بإصرار وعناد ظهر في كل خلجاتها وملامحها: لو انت اخر رجل في الدنيا لن أتزوجك قط.
رد عليها علاء باستفزاز مستميت : سآخذك برضاك أو غصب عنك... وهذا الزواج لن يتم ولو علي جثتي.
قد زاد حديثه من إصرارها لتقول له بنبرتها التهكمية التي لا تخفى عليه: عارف يا علاء أنا كنت رافضه هذا الزواج لكن بعد كلامك هذا انا موافقه عليها.... هل تعلم لمَ؟... ونظرت له بحدة: لأن أي رجل في الدنيا أنظف منك، كما اكون متأكدة أن الذي اختاره جدي هو شخص أفضل منك بكثير.
فخاطبها علاء بغضب جارف وتوعد بالمصير الذي ترميه بوجهه: أنا سأوريكي يا ريم ماذا سيحدث.. وأنت ستظلين لي مهما كان ستكونين لي.
واجهته بصراخ حاد: اخرج يا علاء لأنني أجهز نفسي ولم يعد هناك المزيد من الوقت اضيعه معك.
خرج علاء من غرفة ريم وهو يستشيط غضباً وريم مشمئزة منه لتنطلق بإثره كلماتها بغضب وتقزز: يلعنك في كل كتاب يا علاء.
خرجت ريم إلى والدتها حيث كانت تجلس مع جدتها وزوجة عمها وداليا لتقول بتنازل غير مستساغ: أنا موافقة علي العريس الذي اختاره جدي وسأتزوجه.
ليمر من الوقت أربع ساعات فيحضر كل من عادل وجمال ويوسف من الخارج حيث أنهم كانوا قد غادروا لعملهم بعد سماع الخبر ويعد هذا الوقت هو أول لقاء بعد عودتهم، ذهبت ريم تركض إليهم واحتضنتهم بقوة: اشتقت لكم.
فأحتضنها عادل ليقول بحنان جم: وأنا اشتقت لك أيضا يا عمري.
يوسف قد امسكها من خدها ليقول بمرح: وحشتيني يا سوسه أنت.
ريم حضنته وتعلقت به تداري حزنها ليتوجه الجميع للجلوس مع العائلة فسلموا عليهم وأخذوا يتسامرون ويبتسمون إلا أنهم يخفون حزنهم، فحضر بعد ساعة الجد ومعه ضيفه وبرفقتهم المأذون ولم تكن ملامح هذا الرجل ببعيدة عن البشر بل كان طويلا بنسبة جيدة وممتلئ الجسم قليلاً كما كان تخلل مقدمة رأسه وجانبي شعره الكثير من الشعر الأبيض فقد كان يبدو من مظهره أن عمره في بداية الخمسينات، تحدث قائلا بلهجة بسيطة: أين هي العروس الجميلة متى سنراها.
لم تتوقف التساؤلات بشأنه فهل هذا هو العريس أنه يبدو بعمر والدها؟ لا اظن ذلك، لما يحدث هذا الأن... سأجن، ربنا يكون في عونك يا ريم، ستتزوجين من هذا الجد، فقد كانت هذه أفكار داليا و يوسف معاً اللذان لم يصدق أعينهم، فقد توجهت ريم لتسلم عليه لكنه عندما رأها صدم من جمالها الذي لا تغفله عين كما قبل رأسها: ألف مبارك يا عروسة و ربنا يتمم بخير.
ريم بغصة قد اجتاحت حلقها من هويته التي لا تريدها: لو سمحت هل تستطيع أن تخبرني من أنت؟
ابتسم الرجل علي كلامها ولاحظ تغير وجهها فتحدث هامسا إليها حتى لا يسمعه احد أو يظنه مرح: انت عندما يراكِ زوجك المستقبلي أجزم أنه قد يجن!
ريم ارتاحت قليلاً حيث علمت أن جدها لم يبعها فتحدث إلى نفسها هي تهمس ولكن سمعها الرجل: إذا ليس هو المغفور له المختار.
الرجل قد ابتسم علي حديثها فقال بهمس لها: انا يا ليت كنت العريس وأخذ هذا القمر، لكن للأسف الل سبق أكل النبق.
اطمئن قلب ريم قليلاً عندما علمت أن هذا الرجل الذي تخطى العقد السادس من عمره ليس العريس، لكنها ظلت متسائلة إذا لم يكن هذا هو العريس فمن يكون وما هي شخصيته كم تشعر بالتوتر والخوف أن تجد شخصاً يعيد معه ماضي تحاول نسيانه، خائفة أن تكون هذه الخطوة بداية عذاب مستمر، فسألته ريم بقلق: إذا لم تكن أنت العريس؟، فمن هو إذا؟
شعر بأنها خائفة أو تشعر بالتوتر فأحس أنه يريد معرفة كيف تستطيع المواجهة فتكلم وهو يصر علي التلاعب بأعصابها مع هدوء غير عادي منه: أكون... هل أنت تأكدت إنك تريدين معرفته، أم لو عرفتيه ستغيري رأيك في العريس؟
فردت عليه بسخرية غير طبيعية: يا سيدي.... أتريد الحق.... هذه الزيجة بأكملها حصلت معي على كارت أحمر.
انفجر ضاحكاً من براءتها التي لم يجدها من بين أقرانها وغرابة ممن حولهم: لا انت بالفعل رائعة، واليوم تأكدت بالفعل أنك الوحيدة التي تنفع معه، لذا أبقِ هكذا مرحة دائما ورِوحك حلوه هكذا، و متأكد انك ستحضرين رأس ابني و قلبه بين ايديك.
فجحظت عيناها و قالت بصوت متلقلق: هذا يعني انت تكون والد العريس!....
لم تكن هناك أكثر ما أثار انتباهه هو تغير ملامحها التي امتزجت بمشاعر انسانية مختلفة، فتكلم حسين وهو يضحك على ملامحها: أي نعم أنا هو والد زوجك المستقبلي.
لم تكن تتصور أنها قد أهانت شخصا أمام والده عرفت أنها ما كان ينبغي لها أن تفعل هذا فخجلت واحمرت وجنتاها لتخفض رأسها للأرض: استسمحك عذرا وارجوك أن تعفو عن خطئ.... عن اذن سيادتك أنا استأذن...
فتساءل والد خطيبها عن ما حدث بعد ان كانت الأجواء مرحة بينهم، اراد أن يعرف ماذا حدث وإلى أين ستذهب: إلى أين... ألسنا نلهو بالحديث المرح مع بعضنا.
لم يكن يتوقع أحد أن تستطيع ريم أن تخجل من أحد أو أن تتحدث بهذا الهدوء النادر: سأبحث عن أقرب برج عال لكي القي بنفسي منه، اليوم قد علمت اني أنا مدب، لم أتوقف عن الحديث وأخطئ ولا أعلم شيء عنك أو عن حقيقتك أو من أنت.
لم يستطع حسين التحكم في ضحكته التي نتجت من حديث مرح لفتاة مازالت في مقتبل العمر لا تعرف من الحياة مآواها، بينما انطلقت ريم مسرعة علي غرفتها واغلقت الباب خلفها ذعراً وقد أخذت تلوم نفسها وهي تحاول أن تتخطي خجلها فقد اهانت زوجها المستقبلي أمام والده: الله يا ريم أنت تستحقين الموت، فهل يجب أن يخونك لسانك هذا، الأن وقد ظن أنك وقحة وستجلبين الحديث المرهق لعائلتك.
بينما كانت ريم تنغمس في حالتها الخاصة التي قضتها في عتاب نفسها وخجلها كما إحراجها من جميع الكلمات التي نطقت بها أمام السيد حسين، كان حسين والجد وأبيها وعمها ويوسف، يجلسون معا من أجل إنهاء أمر كتب الكتاب الذي سيربط العائلتين بطريقة يرفضها اغلبهم، فسأل محمد حسين الذي كان يجاوره: ما حدث لريم يا حسين! ألم تكن تتحدث معك ماذا قلت لها وتحدثت به لتهرب هكذا وهي تخفي وجهها؟!
نظر له حسين بابتسامة تملا وجهه بشعور غمره الارتياح حيث لم يكن يظن أن هذه الصغيرة ستكون هي الحل الذي كان يحلم به: لم أقل شئ... لكن فقط حماها الله روحها مرحة، لظن أني بالفعل أستخسرها في إبني!
جذبت تلك الجملة انتباه يوسف فوجه نظره إليه كمن لدغته حية وعاتبه بنبرة ساخرة: يعني حضرتك تعرف أنها لا تنفع ابنك وقمت بتزويجهم ربنا يستر ويكون شخص جيد معها لأننا لا نرى له وجود اليوم.
بدأت ملامح الغضب تعلو وجه محمد والتي لم يلاحظها حسين حين كان يرد بهدوء يحسده الأخرين عليه: فعلاً هو لم يحضر لأنه مرتبط بموعد عمل ضروري ولم يستطع أن يوفق بين موعدنا وعمله ، لهذا قام بتسجيل توكيل شخصي لكي أكتب الكتاب.
تنهد عادل قائلا باستسلام حاول مداراته: ما فيه الخير يقدمه ربنا.
تحدث محمد لهم بجدية تامة : أظن طالما ان الكل موجود وفضيلة الشيخ كذلك فلا داع للتأخير ونتمم هذا الأمر ونكتب الكتاب
وافقه حسين برجاء لم يستطع انكاره: اكيد... ويكون هذا أفضل لنا اتفضل يا شيخنا.
بدأ المأذون بتسجيل مراسم الزفاف الذي اعتادها الجمع في حفلات عقد القران: بسم الله الرحمن الرحيم...... أين هما وكيلا العروسين.
فكان عادل وكيلاً عن ابنته وحسين وكيلاً عن ابنه بينما كان الشاهدين هذا اليوم هما الوالد وابنه جمال ويوسف، وبالفعل قد تمت مراسم عقد القران التي كان ينبغي لها أن تتم بوجود صاحبي الأمر اللذان تنحيا عن سلطتهما، فلتمر هذا اللحظات علي خير ما يرام فقام محمد بتهنئة حسين وعادل علي مضض من عادل أو يوسف أو جمال فكلاً منهم كان معترض علي هذا الزواج وبهذا الأسلوب المجحف لهما، وبعد اتمام التهاني كان حسين يبحث بعينه عن ريم التي اختفت من أمام ناظرايه، فتوجه متحدثاً إلى أبيها وجدها: ممكن اعرف فين ريم يا استاذ عادل؟
أجاب عادل بتأكيد كما اعتادوا منها: أكيد تتواجد في غرفتها.
لم يكن يغفل حسين عن كونها بمفردها فقد لاحظ تواجد الجميع معهم، لكن اراد أن يتعرف عليها ويضع بعض النقاط نصب عينيها فاستأذن حسين منهم لمقابلتها: بعد اذنك سيد محمد أريد أن اجلس مع زوجة ابني بعض الوقت، أريد ان اطمئن عليها وابارك لها.
لم يكن محمد تخفي عليه ملامح حسين التي فهم منها أن الأمر يمثل ضرورة له فأجابه ليعرف كيف ستطور الأمور: اكيد.... ثم وجهه حديثه ليوسف: يوسف وصل الأستاذ حسين إلى غرفة ريم.
لكن قاطعه حسين بقطعية هو نفسه لم تعجب منها: لن نجلس في غرفتها، هل من الممكن بعد إذن حضرتك سيد محمد أن تجعلهم يدلونا على مكان بع هواء ويكون هادئ.
اعجبت تصرفاته الرجال وحازت اخلاقه يرضى وسف الذي ناب عنهم بالاختيار: اتفضل حضرتك تفضل معي للتراث العلوي وأنا سأحضر ريم لحضرتك.
لم يحاول علاء أن يتحرك من موضعه وهو يستمع للحاضرين فتكاد تشعر كأنه يعلن التحدي لهم جميعا، لكن صوت أخر يرتفع بنبرة هادئة وحانية: علاء يمكن الذهاب إلى غرفتك لكي تستريح من السفر.
توجه نظره إليها وقد لاحظ أنها تكاد تدمع عيناها فهو لم يكن ينسى انطباعات والدته سحر فذهب وهو لا زال يحمل نفس النظرات المتوعدة، إلا أنه أوقفه صوت اخر و هو صوت خاله جمال: علاء، غرفتك أصبحت بقت الدور الأول وليس بالدور الثاني.
فالتفت اليه علاء وقد عقد حاجبه وما لفت نظرهم جميعا وقلقوا منه هو أنه قد تبدلت نظراته إلي الاستعجاب و الدهشة وهو يطرح تساؤله علنيا: منذ متي وغرفتي انتقلت بالأسفل، فجميع غرفنا تتواجد فوق بالطوابق العلوية.
فاردفه جمال بجدية حسده عليها شقيقه: جدك قرر أن غرفتك تتنقل من الدور الثاني للدور الأول بجوار غرفته..
فنظر اليهم علاء بتهكم واضح وبنظرة استفزازية ضحك ساخرا: طبعاً لازم أمر جدي لكي تنقل.
فالتفت موليا ظهره لهم يغادر المكان بأكمله ليخرج ويستقل سيارته زافرا الغبار من موضعه كم يحارب إلى إحدى أماكن لهوه التي لا تعد او تحصى أحيانا، بينما هو في طريقة كان قد بقي من افراد العائلة جالساً عادل وزوجته ميرفت، وجمال و زوجته رانيا، و الأخت الوحيدة لهم سحر التي خجلت من أسلوب ابنها، فقالت بأسف علني لعائلتها: أنا أعتذر لكم عن تصرف علاء... أقسم ولا أعرف لماذا يفعل كل هذا ولمَ؟
طمئنها شقيقها جمال: لا يوجد داع للاعتذار يا سحر...جميعنا نعرف أسلوب علاء وتصرفاته ونعرف طباعه و كما نعلم من منّ ورثها.
سحر كادت تبكي وهي تتلعثم : كم أتمنى أن يصلح حالة ويكون رجل على قدر المسؤولية مثل يوسف ورامي أو مثل حتى اخته داليا أو ريم رغم أنهم أصغر منه.
قال عادل وهو يستنكر حديثها بأسف: كلنا نرجو هذا يا سحر، لكن علاء عمره ما تغير لكن للأسف اسلوبه يزداد سوء مع الوقت.
ميرفت تحدثت تحاول تهدئة الأوضاع: أظن أن هذا يكفي اليوم جميعنا نشعر بالتعب، فقد كان اليوم طويل ومجهد، هيا بنا نقم نرتاح لكي نستطيع السافر غدا بدون تعب.
كانت تتحدث ميرفت لكن لاحظت رانيا شرود سحر عندما التفتت لها: سحر... يمكنك الذهاب للراحة بغرفتك، ولا تقلقي فعداً سوف تصلح الأحوال وتتحسن.
ذهب الجميع إلى غرفهم ليخلدوا إلي النوم بعد ارهاق دام منذ بداية النهار، بينما هم نائمون كان قد وصل علاء إلى وكر تنبعث منه رائحة السكر والعربدة يعلو به صوت الغانيات، فدخل اليه و كأن هذا المكان هو ملكه الخاص الذي لا يرد أحد عليه فيه شيئاً، فاتجه إلى طاولة في ركن بعيد يكاد لا يراها أحد، لكن بإمكانهم رؤية الجميع فوجد عليها شابين جالسين وبيدهم كؤوس الخمر وأمامهم زجاجة الخمر، فجلس برفقتهم و هو يزفر و يشهق بقوة وصلت إلي أسماعهم، فسأله احد الشابين: ما بك... شكلك مثل من خرج مباشرة من خناقة.
فرد عليه بحنق ظاهر في عروقه النابضة: هي خناقة فقط!...إنها.... أريد أن انسى.
فسأله رفيقه الأخر: ماذا حدث لكل هذا.
حاول علاء أن يشكي همه بدون أن يتحسر: عملها جدي يا نادر... وضيع البنت من يدي.
فاردف نادر يتساءل: أكيد بنت ولا تسوي تفكيرك.. لذا أبعدها عن طريقك لأنها ليست من مقامك.
فعلىَ وجه علاء الغضب من كلماته التي اخترقت مسامعه: من هذه التي لا تسوى يا رو***** هذه هي الجمال والأخلاق لا يوجد اثنتين بقدر جمالها.
فسأله الشاب الأخر وهو يتعجب من أمر رفيقه الذي لم يعده يمدح أحد قط: ما هذا توجد فتاة تجعل علاء باشا يشكر فيها من عي!، هذه الفتاة يجب أن نراها ونتعرف عليها لأنها بالتأكيد ستكون موزة...
قاطعه علاء بغضب وكور قبضته من الغضب الذي شب به: احترم نفسك يا هشام... موزة في عينك منك له، ومن هذه التي تريدون التعرف عليها، هذه بالذات خط احمر لأي بني آدم غيري.
تعجب هشام منه فكيف توجد فتاة جعلته يستشيط غضبا وهم من يشربون المحرمات فتساءل: من هذه التي قلبت كيان علاء باشا بهذا الشكل.
همس علاء بصوت غير قادر على التحكم به ولا يريد أحد أن يعرف سره: أنها البدر المنير، ريما بنت خالي عادل.
وصل الصوت لنادر الذي يجاوره فصدم وصرخ بعلو صوته بعد ان استمع لكلمات الهامسة: يا نهار ابوك اسود أليست هي اخت ندي.
فتشنج علاء فكيف لهم سماعه لكنه استشاط منهم غضبا فكيف يتحدثون عنها وكيف بقارون بينهم: احترم نفسك يا ولد أنت وهو، ومن أنتم ومن احضر ندي ليقارنها بريم، واحدة كانت مثل النعامة تدفن رأسها في التراب، أما الثانية جبروت وقلب كياني.
استنكر هشام حديثه الوله: لا أنت حالتك مستعصية ومنذ متى تحبها وواقع هكذا.
فتنهد ليجيب عليهم كمن اقتص منه القدر بعذاب أبدي: وهل هذا منذ اليوم فقط، لكن هذا يطاردني منذ خمس سنوات.. انا انتظرها منذ شبت بجمالها الفاتن.
صعق نادر عندما حسب الأمر ببساطة: كيف خمس سنوات!... ألم تكن في هذا الوقت مرتبط بندى.
فزجرهم بعنف من محاسبته بما ليس في يده ليستهل: ولد انت و هو شكلكم رايق وانا بالفعل لا أطيق نفسي، صب ليا كاس من السم الهاري احسن من حديثكم.
وصبوا له كأسا من منكرهم الذي افقدهم عقولهم فلا يفرقون بين نهارهم أو ليلهم فشربوا إلى أن ذهبت عقولهم لتخلد في نومها واستيقظت من بعدها غرائزهم وشهواتهم الحيوانية، فذهب كلا منهم إلى غانية اختارها من غواني الليل ليدفن رأسه بين أحضانها حيث يفضون شهواتهم الحيوانية بدون وعي، فقد ذهب علاء إلى فتاة بيضاء شقراء ممشوقة القوام تتمايل بخصرها يميناً يسار لتظهر مواطن أنوثتها ولكن لما تظهرها فهي في ذاتها تكاد لا ترتدي ما يخفيها حيث كانت ترتدي زيا أحمر قاني بدون حمالات يخفي نهديها ويظهر بطنها بفتحة طوليه لتختفي عند خصرها فتهبط بالقماش إلى أسفل أردافها بقليل فتنتهي معالم زيها الذي يظهر كامل ظهرها، فيثبت الفستان علي جسدها بخيط رفيع من الأمام ينعقد حول عنقها، فيمسك ذراعها و سحبها إلى داخل غرفة في نهاية ممر ويقذفها علي السرير لينهي غريزة تملكه بكل حسرة على ما فقده.
بينما كان علاء في حياة الليل منكب كانت هناك فتاة تنام علي سرير أسود عصري تفكر فيما سوف تفعل في خطواتها القادمة فقررت أن ترفع سماعة الهاتف لتتصل برقم قد كتب لها على ورقة امامها، فتحدث بتلقائية تحسد عليها بعد رفع الطرف الثاني لسماعة الهاتف: الو من معي.
لم يكن الطرف الأخر يهوى التلاعب أو التطفل: من معي... من أنت يا آنسه
فأكملت لعبتها بتفاخر امتزج بعلياء المزح: عندما اعرف من يتحدث معي سأخبرك من أنا، فاسمي ليس لعبة ليعرفها من هب ودب.
تعجب من الأسلوب فكيف المتصل هو من يتأمر فأعاد قائلاً بعد أن نظر لشاشة الهاتف وتأكد من الرقم: هذا الرقم دولي ومن مصر، إذا من أنت لكي تتصلي على رقم لندن.
فعجبت ريم الرد المفحم: وأنت مالك من أنا.... فلتخبرني من أنت الأول.
فاردفها بهدوء مبالغ بعد أن عرف هويتها حسب ما قيل له وبهذا الوقت بالذات: أنا عملك الأسود الذي جعلك تتصلين على شاب وتقلقيه في الليل يا........ آنسه ريم.
فصعقت ريم عندما نطق اسمها بدون أن تخبره إياه فقالت بتلعثم: كيف عرفت اسمي .. ومن أخبرك.
فعلت صوت ضحكته عبر الهاتف والتي قد دلت علي سخرية وفرح في آن واحد: كيف عرفت أو من أخبرني هذا شيء لا يخصك، أما السؤال الأصح ما هو السبب وراء اتصالك في هذا الوقت وكما أظن الساعة عندك اثنين بعد منتصف الليل.
لم تكن كلماته مجرد تساؤل بل هذا رد مجحف على ريم: أحببت أن أعرف صوت الإنسان الذي جبرت علي زواجي منه.
فاردف بتكبر لم تعرفه من أحد امامها: امم صوته... وبعد أن سمعتيه هل أعجبك صوته أم لا.
ريم وقد دهشت من الجملة فهل هو زوجها وقد أظهرت اشمئزازها: أنت كريم.. لا أصدق.. ياي.
اندهش كريم من حديثها وكيف نطقت هذا الاشمئزاز بتلك الطريقة: ماذا تعني أي.. ياي هذه.
أجابت بخبث لتأخذ بحقها منه من تلك الردود المتكررة: يعني صوتك وحش جدا... سلام بقي.
فغضب منها ليقول بحدة في صوته: صوتي انا يكون وحش... فلتسمعي إذا صوت الغراب الذي يتكلم.
ردت بغضب عليه وصوت هادر: غراب كلك.
وغلق كلا منهما الهاتف وقد توعدا لبعضهم البعض علي وقاحة كلاً منهم فقال كريم: والله سترين مني ما لم تريه من قبل يا ست ريم لكي تكتفي عن التكلم بوقاحة.
فتحدثت ريم بغل يأكلها: أقسم إنك سترى ما لا يمكن أن تتوقعه يا كريم، أنا غراب.
بينما كان علاء ينغمس مع شهواته الحيوانية في أحضان غانياته والخمر الذي افقده صوابه، كان هذا الذي يقبع في مكان بعيد مكان امتاز ببرودته وعدم ظهور الشمس أغلب النهار حيث كان يقبع في غرفة مظلمة تتسم بالذوق الكلاسيكي الذي يجعلك تنفذ انفاسك وأنت تنظر لترى جدران بيضاء وسرير أسود كبير تعلوه مجموعة اعمدة تلتف حولها نفسها لتشكل جدائل ينسدل منها ستائر من الدانتيل الأبيض وعلى الجانبين طاولتين صغيرتين بلون مماثل تعلوهما أباجورتان من الطراز الياباني ذات لون بني مذهب، كما كانت توجد أريكة في منتصف الغرفة من اللون البني تعلوها مجموعة من الوسائد التي تدرجت من ألوان الأوف وايت والبني الفاتح والبيج الذي كان يختلط بالوسائد بتناغم غير معهود الوتيرة وامامها طاولة زجاجية قاعدتها بنية.
يجلس هذا الشاب وهو يزمجر كالأسد الجائع: ريم... لقد جلبت لنفسك غضب لا يسكن ستجدين عقاباً اسوأ من جميع افكارك، بعد أن كنت قررت تركك عندك وارحمك إلا أنه الأن اصبحت انتقامي، الذي لن يهدأ إلا بأخذ روحك.
جلكن كانت ريم تقبع في غرفتها تنام علي وسادتها: لقد ايقظت بداخلي الوحش الذي كان نائم يا سيد كريم، إذا كان اباك جاء يترجاني لأبقي معك ووافقته، لكن جعلتني أصر علي اخذ حقي حتى لو اضطررت لقتل الجميع وقتلك ثم قتل نفسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع التعليقات المسيئة للذوق والخلق العام